الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما} (59) والسموات جميع فجاءت على تقدير الواحد والعرب إذا جمعوا جميع موات ثم أشركوا بينه وبين واحد جعلوا خبر جميع الجميع المشرك بالواحد على تقدير خبر الواحد قال:
وكذلك الجميع مع الجميع قال القطامىّ: أي وحبال تغلب.{وَجَعَلَ فِيها سِراجًا} (61) أي شمسا وضياء.و{جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً} (62) أي يجىء الليل بعد النهار ويجىء النهار بعد الليل يخلف منه وجعلهما خلفة وهما اثنان لأن الخلفة مصدر فلفظه من الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث واحد وقال الشاعر: وقال: {إِنَّ عَذابَها كانَ غَرامًا} (65) أي هلاكا ولزاما لهم ومنه رجل مغرم بالحب حب النساء من الغرم والدّين قال الأعشى: وقال بشر بن أبى خازم: أي هلكة.{ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقامًا} (66) أي قرارا وإقامة لأنه من أقام أي مخلدا ومنزلا، وقال جرير: وقال سلامة بن جندل: وإذا فتحوا أوله فهو من قمت وفى آية أخرى: {وَمَقامٍ كَرِيمٍ} (26/ 58) أي مجلس وقال عبّاس بن مرداس: يدعو عليه بالعمى، أي إلى المجلس.{يَلْقَ أَثامًا} (68) أي عقوبة.{يضعّف له العذاب يوم القيامة} (69) أي يلق عقوبة وعقابا كما وصف {يضعّف له العذاب} وقال بلعاء بن قيس الكناني: أي عقابا. التأويب سير النهار كله ثم يتأوب ليلا أهله.وقال لبيد: {اللغو} (72) كل كلام ليس بحسن وهو في اليمين لا واللّه وبلى واللّه.{لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْيانًا} (73) مجازه لم يقيموا عليها تاركين لها لم يقبلوها.{قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي} (77) ومنه قولهم ما عبأت بك شيئا أي ما عددتك شيئا.{فَسَوْفَ يَكُونُ لِزامًا} (77) أي جزاء وهو الفيصل قال الهذلي: يلزم كلّ عامل ما عمل من خير أو شر وله موضع آخر فسوف يكون هلاكا قال أبو ذؤيب: الحوض اللقيف الذي قد تهدمت حجارته سقط بعضها على بعض لزام أي كثيرة بعضها في إثر بعض. اهـ.
يقال: قدمت هذا الأمر. وأنا أقدمه إذا أتيته وقصدته وقد ذكر بعض العلماء في ذلك وجها آخر. قال: إنما قال سبحانه: {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} لأنه عاملهم معاملة القادم من غيبة. أو كان- بطول إمهاله لهم- كالغائب عنهم ثم قدم، فرآهم على خلاف ما أمرهم به، واستعملهم فيه، فأحبط أعمالهم الفاسدة، وعاقبهم عقاب العاند عن الطاعة، المرتكس في الضّلالة. والمعتمد على القول الأول.وقوله تعالى: {فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُورًا} (23) مجاز آخر. وذلك أنه لم يجعل عملهم على الحقيقة هباء منثورا، وهو الغبار الدقيق هاهنا. ومنه الهابى. وإنما أراد سبحانه أنه أبطل ذلك العمل فعفا رسمه، وسقط حكمه، وبطل بطلان الغبار المحق، والغثاء المتفرق.وقوله تعالى: {أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} (24) وهذه استعارة. لأن المقيل من صفات المواضع التي ينام فيها، ولا نوم في الجنة. وتقدير الكلام:وأحسن موضع قائلة. فكأن ذلك المكان من وثارة مهاده، وبرد أفيائه، يصلح أن ينام فيه لو كان ذلك جائزا. وهذا كقوله سبحانه في ذكر أصحاب الجنة: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا أي مثل أوقات البكرة والعشىّ المعهودين في حال الدنيا. لأن الجنة لا يوصف زمانها بالأيام والليالى، لأن ذلك من صفات الزمان الذي تتعاقب عليه الشمس طالعة وغاربة، فيسمّى نهارا بطلوعها، ويسمّى ليلا بقبوعها وقوله سبحانه: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا} (25).وهذه استعارة والمراد بها- واللّه أعلم- على أحد القولين صفة السماء في ذلك اليوم بتعاظم الغمام فيها، وانتشاره في نواحيها. كما يقول القائل: قد تشققت الغمائم بالبرق، وتشققت السحاب بالرعد. إذا كثر ذلك فيها. ليس أن هناك تشققا على الحقيقة، في قول أهل الشرع. وقيل أيضا: إن المراد بذلك انتقاض بنية السماء وتغيرها إلى غير ماهى عليه الآن، كما تظهر في البناء آثار التداعي، وأعلام التهافت، من تثلّم أطراف، وتفطّر أقطار، فيكون ذلك مؤذنا بانقضاضه، ومنذرا بانتقاضه.وقال سبحانه: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ}.وقال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}. ويكون انتقاض بنية السماء عن ظهور الغمام الذي آذننا سبحانه بمجيئه يوم القيامة، إذ يقول عزّ من قائل: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}.ومعنى {تشقّق السماء بالغمام} أي عن الغمام. كما يقول القائل: رميت بالقوس، وعن القوس. بمعنى واحد.
|